فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{إِذَا السماء انشقت} أي بالغمامِ كما في قوله تعالى: {وَيوم تَشَقَّقُ السماء بالغمام} وعن علي رضي الله تعالى عنه تنشقُ من المجرةِ {وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا} أي واستمعتْ أي انقادتْ وأذعنتْ لتأثيرِ قُدرتِهِ تعالى حين تعلقتْ إرادتهُ بانشقاقِها انقيادَ المأمورِ المطواعِ إذا وردَ عليه أمرُ الآمرِ المُطاعِ، والتعرضُ لعنوانِ الربوبيةِ مع الإضافة إليها للإشعارِ بعلةِ الحُكْمِ وهذه الجملة ونَظيرتُها الآتيةُ بمنزلة قوله تعالى: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} في الإنباء عن كونِ ما نُسبَ إلى السماءِ والأرضِ من الانشقاق والمد وغيرِهما جاريا علي مُقْتضَى الحكمةِ كما أُشيرَ إليهِ فيما سلفَ {وَحُقَّتْ} أي جُعلت حقيقةً بالاستماع والانقيادِ لكنْ لا بعدَ أنْ لم تكنْ كذلك بلْ في نفسها وحدِّ ذاتها من قولهم هو محقوقٌ بكَذا وحقيقٌ به والمَعْنى انقادتْ لربِّها وهيَ حقيقةٌ بذلكَ لكنْ لا على أنَّ المرادَ خصوصيةُ ذاتها من بين سائرِ المقدوراتِ بل خصوصيةُ المقدرةِ القاهرةِ الربانيةِ التي يتأتى لها كلُّ مقدورٍ ولا يتخلفُ عنها أمرٌ من الأمورِ فحقُّ الجملة أن تكونَ اعتراضاً مقرراً لما قبلَها لا معطوفةً عليهِ {وَإِذَا الأرض مُدَّتْ} أي بُسطتْ بإزالة جبالِها وآكامِها من مقارِّها وتسويتِها بحيثُ صارتُ قاعاً صفصفاً لا ترَى فيها عوجاً ولا أمتاً أو زيدتْ سعَةً وبسطةً منْ مدَّهُ بمعنى أمدَّه أي زادَهُ {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} أي رمتْ ما في جوفِها من الموتَى والكنوزِ كقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقالهَا} {وَتَخَلَّتْ} وخلتْ عمَّا فيها غايةَ الخلوِّ حتَّى لم يبقَ فيها شيءٌ منه كأنَّها تكلفتْ في ذلكَ أقصَى جُهدِها {وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا} في الإلقاءِ والتخلِّي {وَحُقَّتْ} أيْ وهيَ حقيقةٌ بذلكَ أي شأنُها ذلكَ بالنسبةِ إلى القدرةِ الربانيةِ وتكريرُ كلمةِ إذا معَ اتحادِ الأفعالِ المنسوبةِ إلى السماءِ والأرضِ وقُوعاً في الوقتِ الممتدِّ الذي هُو مدلولُها قد مرَّ سِرُّه فيمَا مَرَّ.
{يا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحاً} أي جاهدٌ ومجدٌّ إلى الموت وما بعدَهُ من الأحوالِ التي مُثِّلتْ باللقاءِ مبالغٌ في ذلكَ فإنَّ الكدحَ جهدُ النفسِ في العملِ والكدُّ فيهِ بحيثُ يؤثرُ فيها من كَدَحَ جلدَهُ إذا خدَشَةُ {فملاقيه} أي فملاقٍ لهُ عقيبَ ذلكَ لا محالةَ من غيرَ صارفٍ يلويكَ عَنْهُ وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} الخ. قيلَ: جوابُ إذا كَما في قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وقوله تعالى: {القرءان خَلَقَ الإنسان} الخ، اعتراضٌ وقيلَ: هو محذوفٌ للتهويل والإيماءِ إلى قصورِ العبارةِ عن بيانِه أوْ للتعويلِ على دلالةِ ما مَرَّ في سورةِ التكويرِ والانفطارِ عليهِ وقيلَ: هو ما دلَّ عليهِ قوله تعالى: {القرءان خَلَقَ الإنسان} إلخ تقديرُه لاقَى الإنسانُ كَدحَهُ وقيلَ: هو قولهُ تعالى فملاقيهِ وما قبله اعتراضٌ وقيلَ: هو يا أيها الإنسانُ إلخ بإضمارِ القول ومعنى يسيراً سهلاً لا مناقشةَ فيه ولا اعتراضَ وعن الصديقةِ رضي الله عنها هُو أن يُعرّفَ ذنوبَهُ ثم يُتجاوزَ عَنْهُ {وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أي عشيرتِه المؤمنينَ أو فريقَ المؤمنينَ مُبتهجاً بحالِه قائلاً هاؤمُ اقرؤوا كتابيه، وقيلَ: إلى أهلهِ في الجنةِ من الحورِ والغلمانِ {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه وَرَاء ظَهْرِهِ} أي يُؤتاهُ بشمالِه من وراءِ ظهرِه قيلَ: تُغلُّ يمناهُ إلى عنقِه ويجعلُ شمالُه وراءَ ظهرِه فيؤتى كتابهُ بشمالِه وقيلَ: تخلعُ يدُه اليُسْرَى من وراءِ ظهرِه {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} أي يتمنَّى الثبورَ وهو الهلاكُ ويدعُوه ياثبوارهُ تعالَ فإنه أوانُكَ وأنَّى له ذلكَ {ويصلى سَعِيراً} أي يدخلُها وقرئ {يُصلّى} كقوله تعالى: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} وقرئ {ويصلى} كما في قوله تعالى: {لِلظَّالِمِينَ نَارًا} {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ} فيما بينَ أهلِه وعشيرتِه في الدُّنيا {مَسْرُوراً} مترفاً بَطِراً مستبشراً كديدنِ الفجارِ الذينَ لا يهمهم ولا يخطُر ببالِهم أمورُ الآخرةِ ولا يتفكرونَ في العواقبِ ولم يكُنْ حَزيناً متفكراً في حالهِ ومآلهِ كسنةِ الصلحاءِ والمتقينَ والجملة استئنافٌ لبيانِ علةِ ما قَبلها.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} تعليلٌ لسرورِه في الدُّنيا أي يظنُّ أنْ لَنْ يَرجعَ إلى الله تعالى تكذيباً للمعادِ وأنْ مخففةٌ مِنْ أنَّ سادَّةٌ معَ ما في حيزِها مسدَّ مفعولَيْ الظنِّ أو أحدَهُما على الخِلافِ المعروفِ {بلى} إيجابٌ لما بعدَ لَنْ. وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} تحقيقٌ وتعليلٌ لهُ أيْ بَلَى ليحورَنَّ ألبتةَ إنَّ ربَّهُ الذي خلقَهُ كانَ به وبأعمالِه الموجبةِ للجزاءِ بصيراً بحيثُ لا يخفى منها خافيةٌ فلابد منْ رجعهِ وحسابِه وجزائِه عليها حَتماً، وقيلَ: نزلتْ الآيتانِ في أبي سَلَمةَ بنِ عبْدِ الأشد وأخيه الأسودِ {فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق} هي الحمرةُ التي تُشاهدُ في أفقِ المغربِ بعد الغروبِ أو البياضُ الذي يليها سُميَ بهِ لرقتِه ومنْهُ الشفقةُ التي هي عبارةٌ عنْ رقةِ القلبِ {واليل وَمَا وسق} وما جمعَ وضمَّ يقال: وسقهُ فاتَّسَقَ واستوسق أي جمعهُ فاجتمعَ وما عبارةٌ عمَّا يجتمعُ بالليلِ ويأوِي إلى مكانهِ من الدوابِّ وغيرِها {والقمر إِذَا اتَّسَقَ} أي اجتمعَ وتمَّ بدراً ليلة أربعَ وعشرةَ.
{لتركبن طبقا عَن طبق} أي لتُلاقُنَّ حالاً بعدَ حالٍ كُلُّ واحدةٍ منهَا مطابقةٌ لأختها في الشدةِ والفظاعةِ وقيلَ: الطبق جمع طبقةٍ وهي المرتبةُ وهو الأوفقُ للركوبِ المنبئ عن الاعتلاءِ والمَعْنَى لتركبن أحوالاً بعدَ أحوالٍ هي طبقاتٌ في الشدةِ بعضُها أرفعُ من بعضٍ وهي الموتُ وما بعدَه من مواطنِ القيامةِ ودواهيها وقرئ {لتركبن} بالإفرادِ على خطابِ الإنسانِ باعتبارِ اللفظِ لا باعتبارِ شمولهِ لأفرادِه كالقراءة الأولى وقرئ بكسرِ الياءِ على خطابِ النفسِ و{ليَرْكَبَنَّ} بالياءِ أي ليركَبَنَّ الإنسانُ ومحلُّ عن طبق النصب على أنَّه صفةٌ لـ: {طبقا} أي طبقا مجاوزاً لطبق أو حالٌ من الضمير {لتركبن} أي لتركبن طبقا مجاوزينَ أو مجاوزاً أو مجاوزةً على حسبِ القراءة والفاءُ في قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} لترتيب ما بعَدَها منَ الإنكار والتعجيبِ على ما قبلَها من أحوالِ يوم القيامةِ وأهوالِها الموجبةِ للإيمانِ والسجودِ أيْ إذا كانَ حالُهم يوم القيامةِ كما ذُكِرَ فأيُّ شيءٍ لهم حالَ كونِهم غيرَ مؤمنينَ أي أيُّ شيءٍ يمنعُهم من الإيمان معَ تعاضدِ موجباتِه.
وقوله تعالى: {وَإِذَا قرئ عَلَيْهِمُ القرءان لاَ يَسْجُدُونَ} جملة شرطيةٌ محلُّها النصب على الحاليةِ نسقاً على ما قَبلَها أيْ فأيُّ مانعٍ لهم حالُ عدمِ سجودِهم وخضوعِهم واستكانتهم عندَ قراءة القرآن، وقيلَ: قرأ النبيُّ عليه الصلاةُ والسَّلامُ ذاتَ يوم: {واسجدْ واقتربْ} فسجدَ هُو وَمَنْ مَعَهُ من المؤمنينَ وقريشٌ تصفقُ فوقَ رؤوسهم وتصفرْ فنزلتْ وبه احتجَّ أبُو حنيفةٍ رحمَهُ الله تعالى على وجوبِ السجدةِ وعنِ ابن عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما ليسَ في المفصلِ سجدةٌ، وعن أبي هريرةٍ رضي الله عنهُ أنَّه سجَدَ فيها وقال: والله ما سجدتُ إلا بعدَ أن رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يسجدُ فيها.
وعن أنس رضيَ الله عَنْهُ صليتُ خلفَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ رضيَ الله عنهم فسجدُوا وعن الحسنِ هي غيرُ واجبةٍ {بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذّبُونَ} بالقرآن الناطقِ بما ذُكِرَ من أحوالِ القيامةِ وأهوالِها مع تحققِ موجباتِ تصديقهِ ولذلكَ لا يخضعونَ عندَ تلاوتِه {والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} بما يضمرونَ في قلوبِهم ويجمعونَ في صدورِهم من الكفرِ والحسدِ والبغي والبغضاءِ أو بما يجمعونَ في صحفهم من أعمالِ السوءِ ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذابِ علماً فعلياً {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} لأنَّ علمَهُ تعالى بذلكَ على الوجه المذكورِ موجبٌ لتعذيبهم حتماً {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} استثناءٌ منقطعٌ إنْ جُعلَ الموصولُ عبارةً عن المؤمنينَ كافَّة ومتصلٌ إنْ أريدَ به منْ امنَ منهمُ بعدَ ذلكَ وقوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غيرُ مقطوعٍ أو ممنونٍ به عليهم استئنافٌ مقررٌ لما أفادَهُ الاستثناءُ من انتفاءِ العذابِ عنهم ومبينٌ لكيفيتهِ ومقارنتِه للثوابِ العظيمِ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {إِذَا السماء انشقت} يعني: انفرجت لهيبة الرب عز وجل ويقال انشقت لنزول الملائكة، وما شاء من أمره.
{وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقَّتْ} يعني: أطاعت السماء لربها بالسمع والطاعة.
{وَحُقَّتْ} يعني: وحق لها، أن تطيع لربها الذي خلقها.
{وَإِذَا الأرض مُدَّتْ} أي: بسطت ومُدَّتْ الأديم ليس فيها جبل، ولا شجر، حتى يتسع فيها جميع الخلائق.
وروى علي بن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إذَا كَانَ يوم الْقِيَامَةِ، مَدَّ الله تعالى الأَرْضَ مَدَّ الأَدِيمِ، حَتَّى لا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ، إلاَّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ لِكَثْرَةِ الْخَلائِقِ فِيهَا».
{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} يعني: ألقت الأرض ما فيها، من الكنوز والأموات، وتخلت عنها {وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا} يعني: أجابت الأرض لربها بالطاعة، وأدت إليه ما مستودعها من الكنوز والموتى {وَحُقَّتْ} يعني: وحق للأرض، أن تطيع ربها الذي خلقها.
ثم قال عز وجل: {وَحُقَّتْ يا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كادِحٌ} قال مقاتل: يعني: الأسود بن عبد الأسد.
ويقال: أبي بن خلف، ويقال: في جميع الكفار.
يعني: أيها الكفار {إِنَّكَ كادِحٌ} يعني: ساع بعملك.
{إلى رَبّكَ كَدْحاً} يعني: سعياً، ويقال: معناه.
إنك عامل لربك عملاً {فملاقيه} في عملك ما كان من خير أو شر.
فالأول قول مقاتل، والثاني قول الكلبي، وقال الزجاج: الكدح في اللغة، السعي في العمل، وجاء في التفسير، إنك عامل عملاً فملاقيه.
أي: ملاق ربك.
قيل: فملاقي عملك.
ثم قال عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ} يعني: المؤمن {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} يعني: حساباً هيناً {وَيَنقَلِبُ} أي: يرجع {إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} الذي أعد الله له في الجنة سروراً به.
وروى ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ يوم الْقِيَامَةِ عُذِّبَ» فقلت: أليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} يعني: هيناً.
قال: «ليس ذلك في الحساب، إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش للحساب يوم القيامة، عذب».
ويقال: حساباً يسيراً، لأنه غفرت ذنوبه، ولا يحاسب بها، ويرجع من الجنة مستبشراً.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه وَرَاء ظَهْرِهِ} يعني: الكافر، يخرج يده اليسرى من وراء ظهره، يعطى كتابه بها {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} يعني: بالويل والثبور على نفسه.
{ويصلى سَعِيراً} يعني: يدخل في الآخرة ناراً وقوداً.
قرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة {ويصلى سَعِيراً} بنصب الياء، وجزم الصاد مع التخفيف.
والباقون {ويصلى} بضم الياء ونصب الصاد مع التشديد.
فمن قرأ {يَصْلَى} بالتخفيف، فمعناه: أنه يقاسي حر السعير وعذابه.
يقال: صليت النار، إذا قاسيت عذابها وحرها.
ومن قرأ بالتشديد، فمعناه أنه يكثر عذابه في النار، حتى يقاصي حرها.
{إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً} يعني: في الدنيا مسروراً، بما أعطي في الدنيا، فلم يعمل للآخرة.
قوله عز وجل: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} قال مقاتل: ظن أن لن يرجع إلى الله تعالى في الآخرة، وهي لغة الحبشة، وقال قتادة: يعني: ظن أن لن يبعثه الله تعالى.
وقال عكرمة: ألم تسمع إلى قول الحبشي، إذا قيل له حر يعني: أرجع إلى أهلك.
ثم قال: {بلى} يعني: ليرجعنّ إلى ربه في الآخرة {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} يعني: كان عالماً به، من يوم خلقه إلى يوم بعثه.
قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق} يعني: أقسم بالشفق، والشفق الحمرة، والبياض الذي بعد غروب الشمس. وهذا التفسير، يوافق قول أبي حنيفة رحمه الله.
وروي عن مجاهد، أنه قال: الشفق هو ضوء النهار.
وروي عنه أنه قال: الشفق النهار كله، وروي عن ابن عمر أنه قال: الشفق الحمرة، وهذا يوافق قول أبي يوسف، ومحمد، رحمهما الله.
ثم قال: {واليل وَمَا وسق} يعني: ساق وجمع وضم.
وقال القتبي أي: حمل وجمع منه الوسق، وهو الحمل، وقال الزجاج أي: ضم وجمع وقال مقاتل: {واليل وَمَا وسق} يعني: ما يساق معه من الظلمة والكواكب، وقال الكلبي يعني: ما دخل فيه {والقمر إِذَا اتَّسَقَ} يعني: إذا استوى، وتم إلى ثلاثة عشرة ليلة، ويقال: إذا اتَّسَقَ يعني: تم وتكامل.
{لتركبن طبقا عَن طبق} قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي {لتركبن} بنصب التاء، والباقون بالضم، فمن قرأ بالنصب، فمعناه لتركبن يا محمد من سماء إلى سماء، ومن قرأ بالضم فالخطاب لأمته أجمعين، يعني: لتركبن حالاً بعد حال، حتى يصيروا إلى الله تعالى من إحياء، وإماتة، وبعث.
ويقال: يعني: مرة نطفة ومرة علقة، ويقال: حالاً بعد حال، مرة تعرفون ومرة لا تعرفون، يعني: يوم القيامة.
ويقال: يعني: السماء لتحولن حالاً بعد حال، مرة تتشقق بالغمام، ومرة تكون كالدهان.
قرأ بعضهم {ليركبن} بالياء، يعني: ليركبن هذا المكذب طبقا عن طبق، يعني: حالاً بعد حال، يعني: الموت ثم الحياة.
ثم قال عز وجل: {فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} يعني: كفار مكة لا يصدقون بالقرآن {وَإِذَا قرئ عَلَيْهِمُ القرءان لاَ يَسْجُدُونَ} يعني: لا يخضعون لله تعالى ولا يوحدونه.
ويقال: ولا يستسلمون لربهم، ولا يسلمون ولا يطيعون.
ويقال: لا يصلون لله تعالى.
قوله تعالى: {بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذّبُونَ} يعني: يجحدون بالقرآن والبعث، أنه لا يكون.
وقال مقاتل: نزلت في بني عمرو بن عمير، وكانوا أربعة، فأسلم اثنان منهم.
ويقال: هذا في جميع الكفار.
ثم قال عز وجل: {والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} يعني: يكتمون في صدورهم من الكذب والجحود.
ويقال: مما يجمعون في قلوبهم من الخيانة.
ويقال: معناه والله أعلم بما يقولون ويخفون.
{فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يعني: شديداً دائماً، وقال مقاتل: ثم استثنى الاثنين اللذين أسلما فقال: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ} يقال: هذا الاستثناء لجميع المؤمنين، يعني: الذين صدقوا بتوحيد الله تعالى.
{وَعَمِلُواْ الصالحات} يعني: أدوا الفرائض والسنن {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} يعني: غير منقوص، ويقال: غير مقطوع، ويقال: لهم أجر لا يمن عليهم، ومعنى قوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يعني: اجعل مكان البشارة للمؤمنين بالرحمة، والجنة للكفار بالعذاب الأليم، على وجه التعبير، لأن ذلك لا يكون بشارة في الحقيقة، والله الموفق بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. اهـ.